ورضي الله عن عَليَّ إذ يقول : لو أخذ الدين بالعقل لكان المسح على باطن الخف أولى من المسح أعلاه !!
فالعقل له دوره وله وظيفته وله أيضاً حدوده ونور الوحي لا يطمسُ نور العقل أبداً بل يباركه ويقويه ويزكيه .
وليس ابداعُ العقل في الجانب المادي والعلمي دليلاً على صوابه ودقته في الجانب الديني الذي لابد من التقيد بنور الوحي
فالعقل له حدوده وله
دوره ولا ينبغي أن يتعدى هذه الحدود أو يتخطاها وأن يحكم على النصوص
الصحيحة الصريحة بعقله القاصر وحكمه الضيق .
فالذين ردّوا حديث
سحر النبي ادَّعوا بأن الحديث باطل ومقدوح في سنده والحديث مخرج في أصح
كتابين بعد كتاب الله عز وجل في صحيح البخاري ومسلم .
وإذا
مجدت الحديث قد اتفق عليه الشيخان فإنه يكون في ذروة قمم الصحة ، وإذا
وجدت الرجل يطعن في حديث رواه الشيخان فاعلم بأن بضاعته في علم الحديث
مزجاه .. هذا إن أحْسَنّْا الظن به !!
أما دعواهم بأن الحديث يقدحُ في مقام النبوة ويتنافى مع العصمة التي منحها الله لنبيه في قوله {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]
وأن هذا الحديث يصدق المشركين الذين اتهموا الرسول بأنه مسحور كما قال عز وجل منهم : يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } [الإسراء:47]
والجواب على هذا أن الرسول معصوم باتفاق في جانب التبليغ والتشريع : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} } [النجم:4]
وأما
بالنسبة إلى الأعراض البشرية كأنواع المرض والآلام والإصابة في المعارك
فهذا لا يقدح في مقام النبوة ولا ينافي العصمة وجميع الأنبياء يعتريهم من
ذلك ما يعتري البشر جميعاً: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ابراهيم:11]
وقال جل وعلا مخاطباً رسول الله r : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [الكهف:110]
والسحر علة من علل الدنيا ومن أمراضها كسائر الأمراض .
وهذه قدَّر الله أن تكون للنبي كما تكون لغيره .
فقد أثَّرت فيه الحمَّى وأثر فيه السُّم وجرح وجهه في غزوة أحد ، وكٌسرت رُباعيته
.
وسبقه من إخوانه من الرسل من قُتل ، ومن عذّب ، وأوذي .
وفي سنن الترمذي وقال حسن صحيح من حديث سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله أي الناس أشد بلاءً ؟ قال : ((
الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه
صُلْباً اشتدَّ بلاؤهُ ، وإن كان في دينه رقَّةٌ ابتلاه على حسب دينه ،
فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ))
وأما قولهم بأنه موافق لقول المشركين: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الفرقان:8].
فمن
المعلوم لكل أحد أن المشركين أرادوا بذلك أن ما يتلوه محمدٌ من قرآن نزل
عليه من عند الله إنما هو سحر يفرق بين الإبن وأبيه والأخ وأخيه والزوج
وزوجه .
كما حكي منهم ذلك في سورة المدثر حكاية عن الوليد بن المغيرة : {إِنَّهُ
فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ
وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ
هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ{25} [المدثر : 18-25].